بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله العزيز الحميد؛ فرض علينا التوحيد وجعله الحق الأكيد والركن الشديد، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، رب العبيد، أمرهم بالقول الرشيد والعمل السديد، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، إمام النبيين وقدوة الموحدين، وقائد الغر المحجلين، صلى الله وسلم عليه، كلما لازم اللسان كلمة التوحيد، وخشي بها يوم الوعيد، وعلى آله وصحبه ومن سار على طريقه إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71]، واعلموا أنه مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]، وأن الجوارح كلها تعاتب اللسان وتقول له: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك، إن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا، والعاقل هو الذي استماعه أكثر من نظره، ونظره أكثر من كلامه؛ فإن من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه فالنار أولى به.
وليست هناك جارحة أحوجُ إلى طول سجن من اللسان، فاحبسوه على القرآن، وأطيعوا به الرحمن، وحاربوا به الشيطان، وحققوا به الإيمان؛ فإن أحب الخلق إلى الله تعالى أهل الإيمان، الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، يحبهم الله ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين.
وأحب العمل إلى الله الإيمان؛ فقد سئل عن أي العمل أحب إلى الله تعالى فقال: «الإيمان بالله».
والإيمان يتحقق بثلاثة أمور: باعتقاد القلب، وبقول اللسان، وبعمل بالجوارح. وعلى هذا فالقول من العمل بل هو أكثر العمل، وهو إما ثواب يؤجر عليه صاحبه، وإما عقاب يؤزر عليه صاحبه، وإما أن يكتب الله به رضوانه إلى يوم القيامة، وإما أن يكتب الله به سخطه إلى يوم القيامة. وفي الحديث: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله يكتب الله بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله يكتب الله بها سخطه إلى يوم القيامة».
وأخوف جارحة على العبد اللسان، قال سفيان بن عبد الله الثقفي: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ. فأخذ بلسان نفسه وقال: «هذا».
وقال لمعاذ بن جبل: «ألا أدلك على ما تملك به هذا – أي الإسلام، وأبواب الخير، ورأس الأمر وعموده وذروة سنامه – قال: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسان نفسه وقال: أمسك عليك هذا. قال: يا رسول الله، وهل نؤاخذ بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم».
ومن أراد النجاة فليمسك لسانه، وليسعه بيته، وليبك على خطيئته. قال عقبة بن عامر: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خيطئتك».
* وحفظ اللسان بأحد أمرين: إما بقول الخير، وإما بالصمت. يقول : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
وقول الخير أولى من الصمت؛ لأن الأجر يتضاعف بقول الخير. يقول : «أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة. يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب الله بها ألف حسنة، ويحط عنه بها ألف خطيئة»، ولأن الذنوب تغفر بقول الخير. يقول : «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر»، ولأن أشجار الجنة تغرس بقول الخير. يقول : «من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة». ويقول: «لقيت ليلة أسري بي إبراهيم، فقال: يا محمد، أخبر أمتك أن الجنة طيبة... وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر».
وقصور الجنة تبنى بقول الخير؛ يقول صلى الله عليه سلم: «من قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ عشر مرات بنى الله له بيتًا في الجنة»، وغرف الجنة تتفاضل بقول الخير. يقول : «إن في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها. قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وواصل الصيام، وصلى بالليل والناس نيام».
واعلموا عباد الله أن خير القول وأربحه وأفضله وأثقله في الميزان، وأحبه إلى الرحمن، وأبغضه إلى الشيطان، وهو مفتاح الجنان ومغلاق النيران، وأثبت لفطرة الإنسان هو قول: (لا إله إلا الله). كلمة التوحيد التي يدخل بها الإنسان في الإسلام، وبها يرتفع على الأنام، وبها يحفظ الجوارح من الآثام، وبها يعصم نفسه وماله وولده، وهي كلمة الإخلاص التي تتخلص بها القلوب من الشرك، والجوارح من الكفر، وبها يكون الدين لله، وتكون الصلاة والنسك والمحيا والممات لله. يقول تعالى: أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر: 3].
وهذه الكلمة هي التي من أَجْلِها أرسل الله الرسل، فما من رسول إلا ودعا قومه إلى «لا إله إلا الله»، وأوذي من أجل «لا إله إلا الله»، وهي الكلمة التي من أجلها أنزل الله الكتب؛ لبيان حقيقتها، ومعرفة شروطها، والتحذير من نواقضها، وهي الكلمة التي من أجلها خلق الله الدنيا؛ لتكون دار عمل، ودار توحيد، ودار سبق إلى الخيرات، ودار قول بـ (لا إله إلا الله)، ودار عمل بـ (لا إله إلا الله)، ومن أجلها خلقت الآخرة، ومن أجلها خلقت الجنة؛ لأنها مفتاح الجنة، وأهلها هم أهل الجنة، ومن أجلها خلقت النار، لتكون مثوًى لمن جحدها وحاربها وحارب أهلها، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]، وبها تؤخذ الكتب باليمين، وبعدمها تؤخذ الكتب بالشمال، وبها يثقل الميزان، وبعدمها يخف الميزان، وبها أخذ اللهُ الميثاق، وعنها السؤال يوم القيامة؛ إذ يسأل العباد عما كانوا يعبدون، ويسألون: وبماذا أجبتم المرسلين؟ فجواب الأُولى بتحقيق «لا إله إلا الله»، وجواب الثانية بتحقيق «محمد رسول الله».
وكلمة التوحيد هي أعظم نعمة أنعم الله بها على العبد؛ إذ ذكرها الله تعالى من أول النعم التي عدها في سورة النحل التي هي سورة النعم. يقول تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ [النحل: 2].
ويقول: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان: 20]. يقول مجاهد بن حبر المكي: هذه النعم هي «لا إله إلا اله».
* * * *
فضائل كلمة التوحيد
واعلموا عباد الله أن لهذه الكلمة فضائل عظيمة تفوق الحصر، منها:
* أنها العروة الوثقى التي من تمسك بها نجا، ومن حرم منها هلك؛ يقول الله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. [سورة البقرة: 256].
* وهي العهد الذي ذكره الله تعالى في قوله: لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم: 87]. والشفاعة لا ينالها إلا أهل «لا إله إلا الله» بعد أن يرضى الله عن المشفوع له ويأذن للشافع، وعهد الله مسئول.
* وهي الحسنى التي قال الله فيها: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل: 5-7].
* وقد وعد الله أهل الحسنى بالجنة وزيادة، وهي النظر إلى وجهه الكريم. قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس: 26].
* وهي كلمة الحق الثابتة؛ فأهلها على الحق وأعداؤها على الباطل، والحق أحق أن يتبع، يقول الله تعالى: إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف: 86].
* وهي كلمة التقوى التي ألزم الله بها رسوله وألزم بها الصحابة ، وكانوا أحق بها وأهلها، والتقوى وقاية من العذاب وعمل بالكتاب وسلامة من العتاب. يقول الله تعالى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الفتح: 26].
* وهي القول الثابت الذي ثبَّت الله عليه الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأهل الثبات قليل؛ لأن الشيطان توعد الإنسان أن يأتيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، ولذا كان يدعو الله في سجوده أن يثبِّت قلبه؛ إذ يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». تقول له عائشة: يا رسول الله، لماذا تكثر من هذا الدعاء؟ قال: «القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء»، وعن هذا المعنى يقول الله تعالى: يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم: 27].
* وهي الكلمة الطيبة التي تثمر دوام العمل الصالح، وتثمر النفع، وتثمر صعود العمل إلى السماء، وتثمر الدفع بالتي هي أحسن. يقول تعالى: ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم: 24، 25].
* وهي الحسنة التي ذكرها الله في قوله: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ [النمل: 89]؛ فأهلها لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لهم الأمن وهم مهتدون.
* وهي المثل الأعلى في السموات والأرض.
* وهي الكلمة الباقية التي أوصى بها الأنبياء أولادهم، وجعلوها الميراث الذي ورثوها والخير الذي خلفوه، يقول الله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلهُمْ يَرْجِعُونَ. [الزخرف: 26-28].
* وهي أعلى شعب الإيمان؛ يقول : «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق».
* وهي أفضل ما قاله النبيون، مع أن قولهم كلمة حق ولا ينطقون عن الهوى. يقول : «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير».
* وهي أفضل الذكر، وأفضل الدعاء الحمد. ففي الحديث: «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله».
* وهي أثقل شيء في الميزان؛ ففي حديث عبد الله بن عمرو: «إن الله سيخلص رجلاً من أمتي علي رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا، أظلمك كتبتي الحافظون، فيقول: لا يا رب. فيقول: أفلك عذر. فيقول: لا يا رب. فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فيقول: أحضر وزنك. فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: إنك لا تُظلم. فتوضَع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة. ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء».
* وهذه الكلمة تعدل عتق الرقاب، وحرز من الشيطان وحفظ منه؛ ففي الحديث: «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. في يومه مائة مرة، فكأنما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل، وغفر له خطيئة، وكتبت له مائة حسنة، وكانت حرزًا له من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بمثل ما جاء به إلا من عمل أكثر منه».
* وهذه الكلمة أثقل في الميزان من السموات والأرض؛ ففي الحديث «أن نوحًا قال لابنه عند موته: آمرك بـ (لا إله إلا الله)؛ فإن السموات السبع والأراضين السبع لو وضعت في كفه، و (لا إله إلا الله) في كفة، رجحت بهن (لا إله إلا الله)، ولو أن السموات السبع والأراضين السبع كن حلقة مبهمة لفصمتهن (لا إله إلا الله)».
* وهي سبب في دخول الجنة. يقول رسول الله : «من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله الجنة من أي أبواب الجنة الثمانية شاء».
* وهي سبب من أسباب النجاة من النار؛ فقد سمع مؤذنًا يقول: الله أكبر. قال: «على الفطرة». فسمعه يقول: أشهد أن لا إله إلا الله. قال: «خرجت بها من النار». وقال: «من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، حرم الله عليه النار».
* وبهذه الكلمة يستقبل الإنسان الدنيا عندما يلقن الشهادة عند ولادته بالأذان في أذنه اليمنى، ويلقن هذه الكلمة عند موته؛ لتكون آخر كلامه. ولابد في هذه الكلمة من العلم بها والعمل والصدق؛ فبالعلم ينجو من التشبه بالنصارى الذين يعملون ولا يعلمون، وبالعمل ينجو من التشبه باليهود الذي يعلمون ولا يعملون، وبالصدق ينجو من التشبه بالمنافقين الذين يظهرون ما لا يبطنون.
* * * *
شروطها
واعلموا أنه لابد لهذه الكلمة من شروط، كشروط الصلاة، وشروط الحج، وشروط العبادات جميعا. وشروط هذه الكلمة سبعة:
1- العلم أنه لا معبود بحق في الوجود إلا الله، وصرف العبادة له؛ يقول تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ [محمد: 19].
2- اليقين الذي يقتضي التيقن أن الله المعبود بحق لا غيره. يقول تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله [الحجرات: 15]. وفي حديث أبي هريرة : «من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة».
3- القبول لهذه الكلمة وعدم ردها؛ فلقد عرضت على قريش فردوها وقالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص: 5].
4- الانقياد والاستسلام لله تعالى والسلامة من الشرك. قال تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر: 54].
5- الصدق؛ يصدق بها العبد ولا يكذب، ويصدق من جاء بها. يقول تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر: 33]، وفي الحديث: «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار».
6- الإخلاص المنافي للشرك. يقول تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: 5]. ويقول : «من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه دخل الجنة». وقال أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: «من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه».
7- المحبة: بأن يحب الكلمة، ويحب المستحق لها، ويحب في الله ويبغض في الله، ويوالي في الله ويعادي في الله؛ ففي الحديث: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما...».
فهذه سبعة شروط لابد منها حتى تتحقق الشهادة، وتقبل من صاحبها، وتؤتي ثمارها، وبغيرها لا ينتفع صاحبها، فها هم المنافقون يقولون: (لا إله إلا الله). ولكنهم لا يؤدون شروطها، فلم تنفعهم؛ بل هم في الدرك الأسفل من النار، وها هو فرعون يقول عند الموت: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ [يونس: 90] فلم تنفعه؛ بل أورد قومه النار وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود: 98].
اللهم اجعلنا من أهل (لا إله إلا الله)، ومن الداعين إليها، وممن يحيا عليها ويموت عليها ويدخل الجنة بها، وممن يحققها بشروطها. إنك سميع مجيب.
الحمد لله العزيز الحميد؛ فرض علينا التوحيد وجعله الحق الأكيد والركن الشديد، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، رب العبيد، أمرهم بالقول الرشيد والعمل السديد، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، إمام النبيين وقدوة الموحدين، وقائد الغر المحجلين، صلى الله وسلم عليه، كلما لازم اللسان كلمة التوحيد، وخشي بها يوم الوعيد، وعلى آله وصحبه ومن سار على طريقه إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70، 71]، واعلموا أنه مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]، وأن الجوارح كلها تعاتب اللسان وتقول له: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك، إن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا، والعاقل هو الذي استماعه أكثر من نظره، ونظره أكثر من كلامه؛ فإن من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه فالنار أولى به.
وليست هناك جارحة أحوجُ إلى طول سجن من اللسان، فاحبسوه على القرآن، وأطيعوا به الرحمن، وحاربوا به الشيطان، وحققوا به الإيمان؛ فإن أحب الخلق إلى الله تعالى أهل الإيمان، الذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، يحبهم الله ويحبونه، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين.
وأحب العمل إلى الله الإيمان؛ فقد سئل عن أي العمل أحب إلى الله تعالى فقال: «الإيمان بالله».
والإيمان يتحقق بثلاثة أمور: باعتقاد القلب، وبقول اللسان، وبعمل بالجوارح. وعلى هذا فالقول من العمل بل هو أكثر العمل، وهو إما ثواب يؤجر عليه صاحبه، وإما عقاب يؤزر عليه صاحبه، وإما أن يكتب الله به رضوانه إلى يوم القيامة، وإما أن يكتب الله به سخطه إلى يوم القيامة. وفي الحديث: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله يكتب الله بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله يكتب الله بها سخطه إلى يوم القيامة».
وأخوف جارحة على العبد اللسان، قال سفيان بن عبد الله الثقفي: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ. فأخذ بلسان نفسه وقال: «هذا».
وقال لمعاذ بن جبل: «ألا أدلك على ما تملك به هذا – أي الإسلام، وأبواب الخير، ورأس الأمر وعموده وذروة سنامه – قال: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسان نفسه وقال: أمسك عليك هذا. قال: يا رسول الله، وهل نؤاخذ بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك، وهل يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم».
ومن أراد النجاة فليمسك لسانه، وليسعه بيته، وليبك على خطيئته. قال عقبة بن عامر: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: «أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابكِ على خيطئتك».
* وحفظ اللسان بأحد أمرين: إما بقول الخير، وإما بالصمت. يقول : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت».
وقول الخير أولى من الصمت؛ لأن الأجر يتضاعف بقول الخير. يقول : «أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة. يسبح الله مائة تسبيحة فيكتب الله بها ألف حسنة، ويحط عنه بها ألف خطيئة»، ولأن الذنوب تغفر بقول الخير. يقول : «من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر»، ولأن أشجار الجنة تغرس بقول الخير. يقول : «من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة». ويقول: «لقيت ليلة أسري بي إبراهيم، فقال: يا محمد، أخبر أمتك أن الجنة طيبة... وأن غراسها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر».
وقصور الجنة تبنى بقول الخير؛ يقول صلى الله عليه سلم: «من قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ عشر مرات بنى الله له بيتًا في الجنة»، وغرف الجنة تتفاضل بقول الخير. يقول : «إن في الجنة غرفًا يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها. قيل: لمن يا رسول الله؟ قال: لمن أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وواصل الصيام، وصلى بالليل والناس نيام».
واعلموا عباد الله أن خير القول وأربحه وأفضله وأثقله في الميزان، وأحبه إلى الرحمن، وأبغضه إلى الشيطان، وهو مفتاح الجنان ومغلاق النيران، وأثبت لفطرة الإنسان هو قول: (لا إله إلا الله). كلمة التوحيد التي يدخل بها الإنسان في الإسلام، وبها يرتفع على الأنام، وبها يحفظ الجوارح من الآثام، وبها يعصم نفسه وماله وولده، وهي كلمة الإخلاص التي تتخلص بها القلوب من الشرك، والجوارح من الكفر، وبها يكون الدين لله، وتكون الصلاة والنسك والمحيا والممات لله. يقول تعالى: أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ [الزمر: 3].
وهذه الكلمة هي التي من أَجْلِها أرسل الله الرسل، فما من رسول إلا ودعا قومه إلى «لا إله إلا الله»، وأوذي من أجل «لا إله إلا الله»، وهي الكلمة التي من أجلها أنزل الله الكتب؛ لبيان حقيقتها، ومعرفة شروطها، والتحذير من نواقضها، وهي الكلمة التي من أجلها خلق الله الدنيا؛ لتكون دار عمل، ودار توحيد، ودار سبق إلى الخيرات، ودار قول بـ (لا إله إلا الله)، ودار عمل بـ (لا إله إلا الله)، ومن أجلها خلقت الآخرة، ومن أجلها خلقت الجنة؛ لأنها مفتاح الجنة، وأهلها هم أهل الجنة، ومن أجلها خلقت النار، لتكون مثوًى لمن جحدها وحاربها وحارب أهلها، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]، وبها تؤخذ الكتب باليمين، وبعدمها تؤخذ الكتب بالشمال، وبها يثقل الميزان، وبعدمها يخف الميزان، وبها أخذ اللهُ الميثاق، وعنها السؤال يوم القيامة؛ إذ يسأل العباد عما كانوا يعبدون، ويسألون: وبماذا أجبتم المرسلين؟ فجواب الأُولى بتحقيق «لا إله إلا الله»، وجواب الثانية بتحقيق «محمد رسول الله».
وكلمة التوحيد هي أعظم نعمة أنعم الله بها على العبد؛ إذ ذكرها الله تعالى من أول النعم التي عدها في سورة النحل التي هي سورة النعم. يقول تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاتَّقُونِ [النحل: 2].
ويقول: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً [لقمان: 20]. يقول مجاهد بن حبر المكي: هذه النعم هي «لا إله إلا اله».
* * * *
فضائل كلمة التوحيد
واعلموا عباد الله أن لهذه الكلمة فضائل عظيمة تفوق الحصر، منها:
* أنها العروة الوثقى التي من تمسك بها نجا، ومن حرم منها هلك؛ يقول الله تعالى: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. [سورة البقرة: 256].
* وهي العهد الذي ذكره الله تعالى في قوله: لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مريم: 87]. والشفاعة لا ينالها إلا أهل «لا إله إلا الله» بعد أن يرضى الله عن المشفوع له ويأذن للشافع، وعهد الله مسئول.
* وهي الحسنى التي قال الله فيها: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى [الليل: 5-7].
* وقد وعد الله أهل الحسنى بالجنة وزيادة، وهي النظر إلى وجهه الكريم. قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس: 26].
* وهي كلمة الحق الثابتة؛ فأهلها على الحق وأعداؤها على الباطل، والحق أحق أن يتبع، يقول الله تعالى: إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ [الزخرف: 86].
* وهي كلمة التقوى التي ألزم الله بها رسوله وألزم بها الصحابة ، وكانوا أحق بها وأهلها، والتقوى وقاية من العذاب وعمل بالكتاب وسلامة من العتاب. يقول الله تعالى: إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الفتح: 26].
* وهي القول الثابت الذي ثبَّت الله عليه الذين آمنوا في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأهل الثبات قليل؛ لأن الشيطان توعد الإنسان أن يأتيه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، ولذا كان يدعو الله في سجوده أن يثبِّت قلبه؛ إذ يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك». تقول له عائشة: يا رسول الله، لماذا تكثر من هذا الدعاء؟ قال: «القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء»، وعن هذا المعنى يقول الله تعالى: يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم: 27].
* وهي الكلمة الطيبة التي تثمر دوام العمل الصالح، وتثمر النفع، وتثمر صعود العمل إلى السماء، وتثمر الدفع بالتي هي أحسن. يقول تعالى: ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا [إبراهيم: 24، 25].
* وهي الحسنة التي ذكرها الله في قوله: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ [النمل: 89]؛ فأهلها لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لهم الأمن وهم مهتدون.
* وهي المثل الأعلى في السموات والأرض.
* وهي الكلمة الباقية التي أوصى بها الأنبياء أولادهم، وجعلوها الميراث الذي ورثوها والخير الذي خلفوه، يقول الله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ * وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلهُمْ يَرْجِعُونَ. [الزخرف: 26-28].
* وهي أعلى شعب الإيمان؛ يقول : «الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق».
* وهي أفضل ما قاله النبيون، مع أن قولهم كلمة حق ولا ينطقون عن الهوى. يقول : «خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير».
* وهي أفضل الذكر، وأفضل الدعاء الحمد. ففي الحديث: «أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله».
* وهي أثقل شيء في الميزان؛ ففي حديث عبد الله بن عمرو: «إن الله سيخلص رجلاً من أمتي علي رؤوس الخلائق يوم القيامة، فينشر له تسعة وتسعين سجلاً كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئًا، أظلمك كتبتي الحافظون، فيقول: لا يا رب. فيقول: أفلك عذر. فيقول: لا يا رب. فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة، وإنه لا ظلم عليك اليوم، فيخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فيقول: أحضر وزنك. فيقول: يا رب، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: إنك لا تُظلم. فتوضَع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة. ولا يثقل مع اسم الله تعالى شيء».
* وهذه الكلمة تعدل عتق الرقاب، وحرز من الشيطان وحفظ منه؛ ففي الحديث: «من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. في يومه مائة مرة، فكأنما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل، وغفر له خطيئة، وكتبت له مائة حسنة، وكانت حرزًا له من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بمثل ما جاء به إلا من عمل أكثر منه».
* وهذه الكلمة أثقل في الميزان من السموات والأرض؛ ففي الحديث «أن نوحًا قال لابنه عند موته: آمرك بـ (لا إله إلا الله)؛ فإن السموات السبع والأراضين السبع لو وضعت في كفه، و (لا إله إلا الله) في كفة، رجحت بهن (لا إله إلا الله)، ولو أن السموات السبع والأراضين السبع كن حلقة مبهمة لفصمتهن (لا إله إلا الله)».
* وهي سبب في دخول الجنة. يقول رسول الله : «من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله وابن أمته، وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه، وأن الجنة حق، وأن النار حق، أدخله الله الجنة من أي أبواب الجنة الثمانية شاء».
* وهي سبب من أسباب النجاة من النار؛ فقد سمع مؤذنًا يقول: الله أكبر. قال: «على الفطرة». فسمعه يقول: أشهد أن لا إله إلا الله. قال: «خرجت بها من النار». وقال: «من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، حرم الله عليه النار».
* وبهذه الكلمة يستقبل الإنسان الدنيا عندما يلقن الشهادة عند ولادته بالأذان في أذنه اليمنى، ويلقن هذه الكلمة عند موته؛ لتكون آخر كلامه. ولابد في هذه الكلمة من العلم بها والعمل والصدق؛ فبالعلم ينجو من التشبه بالنصارى الذين يعملون ولا يعلمون، وبالعمل ينجو من التشبه باليهود الذي يعلمون ولا يعملون، وبالصدق ينجو من التشبه بالمنافقين الذين يظهرون ما لا يبطنون.
* * * *
شروطها
واعلموا أنه لابد لهذه الكلمة من شروط، كشروط الصلاة، وشروط الحج، وشروط العبادات جميعا. وشروط هذه الكلمة سبعة:
1- العلم أنه لا معبود بحق في الوجود إلا الله، وصرف العبادة له؛ يقول تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ [محمد: 19].
2- اليقين الذي يقتضي التيقن أن الله المعبود بحق لا غيره. يقول تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله [الحجرات: 15]. وفي حديث أبي هريرة : «من لقيت وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة».
3- القبول لهذه الكلمة وعدم ردها؛ فلقد عرضت على قريش فردوها وقالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص: 5].
4- الانقياد والاستسلام لله تعالى والسلامة من الشرك. قال تعالى: وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ [الزمر: 54].
5- الصدق؛ يصدق بها العبد ولا يكذب، ويصدق من جاء بها. يقول تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر: 33]، وفي الحديث: «ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار».
6- الإخلاص المنافي للشرك. يقول تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة: 5]. ويقول : «من قال لا إله إلا الله مخلصًا من قلبه دخل الجنة». وقال أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: «من قال لا إله إلا الله خالصًا من قلبه».
7- المحبة: بأن يحب الكلمة، ويحب المستحق لها، ويحب في الله ويبغض في الله، ويوالي في الله ويعادي في الله؛ ففي الحديث: «ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما...».
فهذه سبعة شروط لابد منها حتى تتحقق الشهادة، وتقبل من صاحبها، وتؤتي ثمارها، وبغيرها لا ينتفع صاحبها، فها هم المنافقون يقولون: (لا إله إلا الله). ولكنهم لا يؤدون شروطها، فلم تنفعهم؛ بل هم في الدرك الأسفل من النار، وها هو فرعون يقول عند الموت: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ [يونس: 90] فلم تنفعه؛ بل أورد قومه النار وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ [هود: 98].
اللهم اجعلنا من أهل (لا إله إلا الله)، ومن الداعين إليها، وممن يحيا عليها ويموت عليها ويدخل الجنة بها، وممن يحققها بشروطها. إنك سميع مجيب.
الإثنين أبريل 26, 2010 2:44 pm من طرف مهندس محمد
» حصريا المتصفح الرائع والاشهر عالميا Firefox 3.6.4 Beta في اخر تحديثات وتحميل مباشر علي اكثر من سيرفر
الإثنين أبريل 26, 2010 2:32 pm من طرف مهندس محمد
» english books كتب أنجليزية مختارة
الخميس مارس 04, 2010 10:20 am من طرف مهندس محمد
» شروحات بالفديو الكثير من الشروحات للبرامج الضخمة بالفديو فى دورات تعليمية .
الخميس مارس 04, 2010 10:19 am من طرف مهندس محمد
» كتب في الأنترنت شرح الأنترنت والتعامل معه , برامج التحميل وغيرها
الخميس مارس 04, 2010 10:19 am من طرف مهندس محمد
» كتب في الشبكات MCSE , CISCO , ألخ .....
الخميس مارس 04, 2010 10:18 am من طرف مهندس محمد
» كتب في شرح البرامج برامج جرافيك , أنترنت , نظام , ألخ
الخميس مارس 04, 2010 10:17 am من طرف مهندس محمد
» كتب في برمجة المواقع كتب فى لغات برمجة المواقع وغيرها html , php , css , java , ألخ ....
الخميس مارس 04, 2010 10:17 am من طرف مهندس محمد
» كتب في برامج الأوفيس كتب لشرح ورد , أكسل , أكسس , فرونت بيج , ألخ ......
الخميس مارس 04, 2010 10:16 am من طرف مهندس محمد